الصفحة الرئيسية  أخبار عالميّة

أخبار عالميّة المشهد الليبي بين التجاذبات السياسية والصراع المسلح: الى أين؟

نشر في  11 نوفمبر 2014  (10:05)

يقول شاعر الارض والمقاومة محمود درويش "الطريق إلى السماء طويلة"، لكن في ليبيا تقول أطراف أخرى أنّ الطريق إلى التقسيم وإعلان فيدرالية في الشرق أقرب من رمش العين!!

هكذا يستمر سيناريو الصراع السياسي والإختلال الأمني في ليبيا. هنا في تونس يظهر المشهد بوضوح فيما يدور السجال منذ أسبوع مضى حول تدخل الفرنسي الصهيوني "بيرنارد ليفي" أو كما وصفه بعض التونسيون بعرّاب الفوضى في الشأن التونسي حيث اجتمعت حشود تندد بزيارته الاخيرة وسط رفض شعبي ودعاوى رفعها حقوقيون بخصوص الجهة التي دعته. ليتضح في ما بعد أنه حلّ بتونس لعقد لقاء مع مجموعة من الساسة الليبيين، فأصبح المشهد الداخلي الليبي إنعكاسا في تونس. 

لنعد بالصورة للوراء..

هناك في ليبيا ينقسم السجال بين حراكي عملية "الكرامة" التي تحاول بسط سيطرتها وتتبع البرِلمان شرقا، وبين "فجر ليبيا" الذي يتوكأ على بقايا من يظهر في صورة المشهد السياسي من أعضاء المؤتمر العام، وهو الجهة التشريعية التي سيّرت البلاد خلال الفترة الانتقالية منذ انتخابها في اوت العام 2012 لمدة سنتين وانتهت ولايتها في فيفري هذا العام.

بين شرعيتي طبرق وطرابلس

انتخب الليبيون في جوان 2014 مجلسا للنواب، لكن الانتقال لسلطة برلمانية منتخبة لم يكن ليجعل من الخارطة الليبية أكثر استقرارا، بل أدى إلى تفاقم الخلاف السياسي والتفكك الأمني. المؤتمر العام الذي انتهت صلاحياته طبقا للإعلان الدستوري في شهر فيفري أقرّ لشرعيته بالاستمرار في لعب دور على الساحة، برغم تصعيد المظاهرات المناهضة في الشارع ورفضها لإدائه وللتمديد لأعضائه كسلطة نافذة مؤقتة في البلاد.

مع تعالي الاصوات المنددة حاول المؤتمر الخروج من الموقف، وأقر بتشكيل لجنة "فبراير" التي من شأنها النظر في خارطة طريق وحل دستوري للأزمة في ظل تعرقل انتخاب البرلمان الجديد حتى شهر جوان، والتي إتخذت بدورها جملة تعديلات لإدارة المرحلة. وصادقت على تجميد أعمال المؤتمر باستثناء مهمة الاشراف والمتابعة إلى حين انتخاب البرلمان، بالإضافة لتكليف الحكومة المؤقتة (حكومة عبدالله الثني الاولى) كجهة تنفيذية تُسيّر أعمال الدولة وتستكمل تجهيزات الاستحقاق الانتخابي للبرلمان وانعقاده في بنغازي (شرقا). فيما لم يكن القرار مرضيا بالنسبة للمؤتمر.

الكتائب الثورية وبعض المجالس المحلية ونواب منتخبون لم تكن لترضى بما انتجته الانتخابات التي باركتها الأطراف الدولية، وأعرب المعترضون عن تشكيكهم في البرلمان ورفضهم له، حيث تحركت أرتال القوى المسلحة لـ"فجر ليبيا" نحو العاصمة وأحكمت حول مطارها الدولي حصارا مضنيا حتى استولت عليه، وتراجعت قوات أمن المطار ولوائي القعقعاع والصواعق اللذان ينضويان تحت شرعية المجلس المنتخب. وتصاعدت وتيرة الصراع المسلح خاصة من قبل قوى المتشددين على الساحة، فيما انتزع البرلمانيون سلطتهم في اوت بمدينة طبرق (شرقا) دون الاذعان لقرار المؤتمر الاسبق بالتسليم في طرابلس نتيجة للظروف الأمنية المتزعزعة.

من الكرامة إلى الفجر

أعلن اللواء خليفة حفتر منذ مارس 2014 عن عملية "الكرامة" وتحركت قوات من الجيش الليبي في مناطق الشرق، معلنة تأييدها للعملية وابتدأت معاركها في بنغازي ضد مجموعات التطرف الديني. هذا ما جاء عليه الرد من أصحاب عملية الـ "فجر" كحراك مضاد رافض لإعلان حفتر واعتبرته محاولة انقلابية يقودها لواء عسكري سعيا لتحوير إرادة الثورة التي انبلجت منذ سنوات ثلاث أملا في الوصول إلى حكم مدني.

ضحايا وحكومتين.. من يدير ليبيا؟

أعداد هائلة بين فقيد وجريح وتسجيل نزوح للسكان نتيجة للصراع المسلح بضواحي العاصمة. ما إضطرّ الحكومة المؤقتة (حكومة عبدالله الثني) لتوجيه نداء لوقف الاقتتال بين الأطراف المتنافسة، إلا أنّ دعواتها باءت بالفشل وطردت من طرابلس. وأعاد البرلمان التصويت في طبرق (شرقا) للثني لتشكيل حكومته الثانية، بينما أسسّ المؤتمر العام لحكومة "عمر الحاسي" التي بدورها تحاول ممارسة سلطتها في طرابلس (غربا).

مدن ومناطق على خط النار

تشير احصاءات إلى أنّ حصيلة اشتباكات تشهدها مدينة ككلة (غربا) وصلت لأكثر من 140 قتيلاً وما يزيد عن 450 جريح في اشتباكات هي الأقوى عسكريا. فيما شهدت مدن أخرى (إلى الغرب) منها مدينتي ورشفانة والزاوية، منذ نهاية حرب المطار، قصفا بالصواريخ تُوجهها قوات فجر ليبيا، أدت إلى أضرار بشرية ومادية ونزوح بعض العائلات من تلك المناطق، واندلعت اشتباكات طويلة انتهت بهدم معسكر للجيش يعد من أكبر المعسكرات (معسكر27).

ورشفانة منطقة قبائلية ومدينة ليبية متاخمة لحدود العاصمة، تتحدث عديد الأصوات عن تأييدها القائم لشرعية النظام السابق، بينما تتوجه إليها أصابع الاتهام من قبل أنصار الثورة بالتبعية وإحداث الفوضى وترفض فكرها في العهد الجديد للبلاد.

أطراف قديمة وجديدة على الخط السياسي

بعد انتهاء حرب العاصمة، صار اللغز من يقاتل في ورشفانة؟ فأعلنت القبائل الليبية التي اجتمعت في مؤتمرها الاول للمدن والقبائل والمناطق دون غطاء اجتماعي قبلي بمنتصف ماي الماضي، كاشفة عن تشكيل جيش يرفض سياسات الفوضى والعمليات العسكرية والتجاذبات بين الجبهات والأطراف السياسية التي تسوس الخارطة الليبية، وقررت خوض معركتها ضد أنصار عملية الفجر.

فيما أزيح الستار في نهايات اكتوبر الفائت ليظهر ما يعرف باسم "الحركة الوطنية الشعبية" خلال مؤتمر تأسيسي عقدته الحركة، والتي تتزعمها قيادات سياسية من النظام السابق في ليبيا، أكدت نفسها كمظلّة سياسية مضادة للجسم السياسي القائم في البلاد.

الطريق إلى التقسيم بحكم قضائي

حكمت الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا في ليبيا خلال جلسة عقدتها مطلع الاسبوع الماضي، قضت بقبول الطعن الذي قدمه بعض النواب المقاطعين لمجلسهم المنعقد في طبرق، وسرعان ما تحول القرار إلى سجال قانوني تدور حوله التساؤلات. جاء هذا بعد تأجيل النطق بالحكم لأربع جلسات قضائية خلال الشهرين الاثنين الماضيين.

كما جاء في البيان الرسمي الذي أصدره مجلس النواب تأكيدات على عدم دستورية قضاء المحكمة. وعلّق رئيسه أبو بكر بعيرة بأنّ الحكم يسعى لتقسيم البلاد. وفي خطوة مغايرة وخلال كلمة اشبه بخطاب التنصيب، دعا نوري ابو سهمين رئيس المؤتمر العام السابق إلى القبول بالحكم وطلب من المجتمع الدولي تغيير موقفه من المؤتمر غير المعترف به دوليا.

وبين مجلسين متنافسين يحتكمان الى الصراع المسلح والتطرف في الرأي السياسي تتصاعد دعوات التقسيم، حيث أكدت مصادر من دعاة الفيدرالية في مناطق الشرق الليبي، التي تنادي بإقامة اقليم "برقة" والجماعات المسلحة الموالية لها والمسيطرة منذ أشهر على الموانئ النفطية، أنها ستعلن الاستقلال في شرقي البلاد إذا استمر اعتراف العالم بمجلس النواب المنتخب بعدما اعلنته المحكمة بحلّه.

محمود النقناق (متربص ليبي من جامعة طرابلس - معهد صحافة الحرب والسلم)